السبت، 22 أكتوبر 2016

مذكرات طبيب باطني (قصة رقم 3)

السلام عليكم:

كنت قد نشرت باللغة الانجليزية والصور الطبية حالة مرضية صادفتها في قاعة الطوارئ.
ولكنني اليوم سأتحدث عن قصة هذا المريض الذي صادفته ولم استطع مساعدته .....
خلال الشهر الماضي واثناء تواجدي في قاعة الطوارئ ، دخل رجل في السابعة والاربعين من عمره بصحبة اخويه، وبسؤال المريض عن حالته المرضية وايقاع الكشف الطبي عليه ، كان المريض يعاني من التهاب في الأذن اليمنى مع خروج للقيح من أذنه .
الحالة المرضية ليست ضمن تخصصي كطبيب امراض باطنية وانما هي من تخصص طبيب الانف والاذن والحنجرة.
قمت بشرح الوضع للمريض واخويه ، وانه يجب عليه مراجعة طبيب انف واذن وحنجرة لتلقي العلاج . وبالفعل قمت بتحويل المريض الى الطبيب المتخصص. ولم ار المريض منذ ذلك الحين
و لكن بعد اسبوعين من ذلك .. فوجئت بالمريض يجلس على السرير في طوارئ الامراض الباطنية وقد حضر ايضا بصحبة اخويه....
سلمت عليهم ولم اكن قد انتبهت لوضع المريض بعد
قمت بسؤال اخويه عما حصل معهم خلال الاسبوعين الماضيين وعن سير للعلاج ... ففوجئت بأن المريض لم يقم بتلقي العلاج الكافي ولمدة اسبوعين كاملين !!!!!
تنقل المريض بين عدد من الاطباء الذين لم يصفو له الا قطرة للاذن فقط !!!!؟؟؟؟
اذن المريض اليمنى ينساب منها قيح وصديد الى الخارج مما يعني ان هناك التهاب شديد جدا يحتاج الى مضادات حيوية بالوريد للسيطرة على الالتهاب ومنع حدوث المضاعفات ....
كم حزنت على هؤلاء الاخوين الذين يتحدثون في قمة الادب وبأسلوب لبق ... ولا يعيبهم الا فقرهم الذي حال بينهم وبين ادخال اخيهم الى المستشفى لتلقي العلاج اللازم .....
قمت بالقاء نظرة على اخيهم واذا باحد الاخوين يقول لي :
يا دكتور ... اخي اليوم لم يتعرف علينا ولا يدري اين هو ويعاني من خمول شديد !!!!!
كم فزعت من هذه الجملة وانا ادرك ان اخوف ما نخاف من مضاعفات قد حدث ......
قمت بعمل صورة اشعة طبقية لدماغ المريض ... وكانت الصدمة :


تظهر الصورة وجود دمل قيحي في الجزء الايمن من الدماغ حدث نتيجة امتداد الالتهاب من الاذن الى الدماغ
وقد اصبح وضع المريض شديد الخطورة.....
وفورا قمت بالاتصال بطبيب جراحة الاعصاب حيث حضر الطبيب من بيته على وجه السرعة بعد ان ارسلت له الصورة على الهاتف الجوال ، وقام بادخال المريض الى المستشفى على وجه السرعة ووضع المضادات الحيوية وباقي العلاجات للمريض وعمل صورة رنين مغناطيسي للدماغ تمهيدا لخضوع المريض لعملية في الدماغ لفتح الدمل واخراج القيح من دماغه.
ولن انسى بحزن عبارات الشكر والدعاء من الاخوين وهم يتلقون المساعدة في الوقت الضائع......
للاسف ساءت حالة المريض ولم يمهله الوقت كثيرا حيث اخذت صحته في الانهيار وتم نقله الى العناية الحثيثة لينتقل الى رحمة الله الذي هو اعلم بحاله وارحم به من امه التي ولدته.....
انا لله وانا اليه راجعون.... وحسبنا الله ونعم الوكيل ....
اللهم احسن خاتمتنا...


الطبيب المخلص لا يحتاج إلى قسم المهنة؛ ليردعه عن الإخلال بوظيفته ومهمته؛ لأن مراقبة الله هي الضمان، لقد جرت العادة منذ عهد أبقراط أن يبدأ الطبيب حياته المهنية بترديد قَسم يلتزم بآدابه في ممارسة الطب، ونحن نعلم أن قضية السلوك المهني لا تحل بقَسم، وإنما الذي يحلها فعلاً هي مراقبة الله عز وجل،  هذا هو الضمان الحقيقي لقيام الطبيب بمهمته على الوجه الصحيح.
اسأل الله الاخلاص في القول و العمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المساهمون